أولا : بين ” لا أقدر” و” لا أريد “ :
إن بعضَ الناس يخلطون أحيانا بين ” لا أقدرُ ” و ” لا أريد ” , فمثلا يقول التلميذ ” أنا لا أقدر على الاستيقاظ مبكرا من أجل أداء صلاة الصبح في وقتها ثم مراجعة دروسي” , وهو في الحقيقة ” لا يريد ” . إنه يحتاجُ إلى إرادة قوية وعزيمة قوية , وكل من الإرادة ومن العزيمة تنبعان من داخله , ولا يمكن شراؤهما من السوق أو من الصيدلية ( لا يجوز أن يطلبَ من الصيدلي أن يبيعـهُ كيلو عزيمة أو 2 كيلو إرادة !!! ) . ونفس الشيء مثلا يُقال :
*لمن يشرب الدخان ويقول” أنا لا أقدر على التوقف عن شرب الدخان ” .
*لمن يقول ” أنا لا أقدر على شرب الحليب الأبيض- بلا قهوة - كل يوم , مع فطور الصباح” .
*لمن يقول ” أنا لا أقدر على ممارسة الرياضة ” .
*لمن يقول ” أنا لا أقدر على الامتناعِ عن الغيبة والنميمة والبهتان و…”.
*لمن يقول ” أنا لا أقدر على أن أحسنَ إلى من أساء إلي” .
*لمن يقول ” أنا لا أقدر على غض بصري عن النظر إلى وجوه النساء الأجنبيات” .
*لمن يقول ” أنا لا أقدر على أن أتوضأ قبل النوم في أغلبية الأيام ” .
* لمن يقول ” أنا لا أقدر على منع نفسي من السرقة “.
* لمن يقول ” أنا لا أقدر على قيام الليل “.
* لمن يقول ” أنا لا أقدر على منع نفسي من الغش”. وهكذا …
إن الحقيقة تقول بأن كل واحد من هؤلاء وغيرهم ” لا يريد ” وليس ” لا يقدر ” . وهكذا يمكن أن نأتي
بآلاف الأمثلة المشابهة التي يقول معها الناس” لا نقدر ” وهم في الحقيقة ” لا يريدون” , وهم إنما يحاولون
خداع أنفسهم من حيث علِموا بذلك أم لم يعلموا .
ثانيا : بين عبدِ الله وعبدِ الشهوة :
يجب أن يعلمَ الجميعُ بأن العزةَ الحقيقية وأن السعادةَ الحقيقية وأن رضا الله ثم احترامَ الناس وأن…كل ذلك وغيره مما هو في حكمه , لا ولن يتأتى لنا إلا إذا كنا سادة لأنفسنا لا عبيدا لها. إن شرفَ الواحد منا بأن يكون عبدا لله هو أن يكون سيدا لنفسه لا عبدا لها . يجب أن نعلمَ جميعا بأن كلَّ إنسان إما أن يكونَ سيدا لنفسه فهو إذن عبدُ الله بحق , وإما أن يكون عبدا لنفسه فهو إذن ليس عبدا لله وإنما هو عبدٌ لشهواته وأهوائه . وما أبعد الفرقَ بين أن تكونَ عبدا لله فتكون أعزَّ خلقِ الله عند الله , وأن تكون عبدا لشهواتك وأهوائك ونفسك الأمارة بالسوء فتكون أذلَّ خلقِ الله عند الله وتكون أذلَّ وأضلَّ من الحيوان أكرمكم وأعزكم الله .
ومنه فالمدخنُ مثلا – وكذا السارقُ والكاذب والظالم والقاذف والعاق لوالديه والساحر و…, ومعهم كل عاص لله - ما دام يُدخنُ فهو ليسَ عبدا لله وإنما هو عبدٌ لشهواته وأهوائه ونفسه الضعيفة العاجزة القاصرة . ويحضرُني هنا قولٌ حكيمٌ من عبد مؤمن لسيدِه الملكِ الظالم . قال العبدُ للملكِ ” أنتَ أيها الملكُ عبدُ عبدي ؟!” , فانتفضَ الملكُ غاضبا ” ويحك ! كيف تجرؤ على أن تقول لي هذا ؟!” فأجابَ العبدُ ” أنا مالكٌ وسيدٌ لشهواتي وطائعٌ لله ربِّ العالمين , إذن أنا عبدٌ لله تعالى . أما أنتَ أيها الملك فأنتَ عاص لله مُتبعٌ لشهواتك , إذن أنتَ عبدٌ لشهواتك لا عبدٌ لله . ومنه فأنتَ في النهاية عبدُ عبدي ( أي عبدُ الشهواتِ التي أنا سيدٌ لها ) “.
نسأل الله أن يحفظنا فوق الأرض وتحت الأرض ويوم العرض آمين .
ثالثا : صعبٌ ولكنه ليس مستحيلا :
من أساء إلى أهله وجيرانه وأقاربه فهو أسقطهم ومن كافأ من أساء إليه منهم وقابل السيئة بمثلها فهو مثلهم ( وإن جاز شرعا أن يرد على السيئة بمثلها ) , ومن لم يكافئهم بإساءتهم وقابل السيئة بالحسنة فهو سيدهم وخيرهم وأفضلهم . ولقد نصحتُ ومازلت أنصحُ نفسي ثم الناس كل الناس– رجالا ونساء كبارا وصغارا - :
* بأن نفعل الخير فيمن فعل بنا ومعنا الشر .
* بأن نفعل الخير فيمن يدو بأنه لا يستحق منا خيرا .
* بأن نفعل الخير فيمن لم يصنع معنا خيرا .
صحيح أن هذا صعب وصعب جدا , لكن صحيح كذلك أن في هذا السلوك الخير الكثير عند الله يوم القيامة ثم الراحة الكبيرة عند الشخص في الدنيا , ثم محبة الناس له ولو جاءت بعد حين .
وأغلبية من أنصحُهم بهذا أقولُ لهم بأنني غالبا أعطي المثال من نفسي في العمل بهذه النصائح قبل أن أنصح بها غيري . أنا ملتزمٌ بالعمل بها مع من يحيط بي من الناس في كل مكان وزمان وظرف , أنا ملتزم بالعمل بها في أغلبية الأحيان ولا أزعم أنني أغلبُ نفسي دوما .
وفي الكثير من الأحيان عندما أنصحُ الغيرَ بهذه النصائح يُقال لي ” قدرتَ أنتَ أما نحن فإننا لا نقدرُ ” و ” نعم ما تطلبهُ منا جميلٌ جدا وفيه عند الله من الأجرِ ما فيه , لكن …” .
فأقول :
ا-” ما أكثر ما نخلطُ بين : لا نقدرُ , ولا نريدُ ” . إن الحقيقةَ تقولُ بأنكم لا تريدون العمل بهذه النصائح , لا أنكم لا تقدرون . إنكم لو أردتم لوفقكم الله بإذن الله لما أردتم , ولكنكم لا تريدون في حقيقة الأمر , والأفضل أن تكونوا صرحاء مع أنفسكم .
ب- إذا سلَّمتُم بأن هذه النصائح جميلةٌ وأن العملَ بها فيه من الأجر ما فيه , فلا يجوز لكم أن تقولوا بعدها ” لكن …”. ما دام هذا العملُ مصدرَ أجر من اللهِ فلا جوابَ لنا عليه إلا ” سمعا وطاعة ” . وحتى إن ضعُفنا يجب أن نعترفَ بأننا ضعُفنا ولا نغطي على ضُعفنا , كما لا نُحوِّل الضعفَ إلى قوة . ومنه إن قلنا ” لكن …” يجب أن نعترفَ بأن ” لكن…” هنا كلمة ضعيف لا كلمة قوي . نسأل الله أن يُـغلبنا جميعا على أنفسنا وعلى الشيطان آمين .
والله وحده أعلم بالصواب .
منقوووووووووووووووول
اخوكم ابو زيااد