السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمد لله كما ينبغى لجلال وجهه وعظيم سلطانه
يقول الله تعالى
وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا
فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ {175} وَلَوْ شِئْنَا
لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَـكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ
كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ
يَلْهَث ذَّلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ
الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ {176} سَاء مَثَلاً الْقَوْمُ الَّذِينَ
كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَأَنفُسَهُمْ كَانُواْ يَظْلِمُونَ {177} مَن يَهْدِ اللّهُ
فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَن يُضْلِلْ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ {178}
هذه الأية الكريمة تقص قصة رجل من بنى إسرائيل يدعى بلعم بن باعوراء كان على عهد نبى الله موسى عليه السلام
كان عابدا ناسكا وكان يعلم اسم الله الأعظم الذى إذا دعى به أجاب فكان مستجاب الدعوة , لذا كان محبوبا من قومه ويقصدونه عند الشدائد كى يدعو لهم
فبعثه نبى الله موسى إلى ملك من أهل مدين يدعوه إلى عبادة الله , فأعطى هذا الملك بلعم الهدايا والعطاءات وأقطعه الأراضى فاتبع دين الملك
وقيل أنه بعد انقضاء سنين التيه الأربعين " فإنها محرمة عليهم أربعين سنة يتيهون فى الأرض " بعث الله فيهم نبيا , فأخبرهم أنه مرسل من عند الله وذهب معهم ليقاتل الجبارين وكان بينهم رجل يدعى بلعام وهو عالم من بنى اسرائيل فقال للأعداء " لا ترهبوا بنى اسرائيل سوف أدعوا الله أن يهلكهم " وكان من قبل مستجاب الدعوة فلما دعا عليهم سلخه الله مما كان عليه
وقال الله " ولو شئنا لرفعناه بها " أى رفعنا شأنه فى الدنيا والآخرة بالعبادة والصلاح ولكنه كان عجولا لا ينظر إلا لما فى الأرض
قال محمد بن إسحاق بن يسار عن سالم عن أبي النضر: أنه حدث أن موسى عليه السلام لما نزل في أرض بني كنعان من أرض الشام أتى قوم بلعام إليه، فقالوا له هذا (موسى بن عمران) في بني إسرائيل، قد جاء يخرجنا من بلادنا ويقتلنا ويحلها بني إسرائيل، وإنا قومك، وليس لنا منزل، وأنت رجل مجاب الدعوة، فاخرج فادع اللّه عليهم قال: ويلكم نبي اللّه معه الملائكة والمؤمنون، كيف أذهب أدعو عليه وأنا أعلم من اللّه ما أعلم؟ قالوا له: ما لنا من منزل، فلم يزالوا به يرفقونه ويتضرعون إليه حتى فتنوه، فافتتن؛ فركب حمارة له متوجهاً إلى الجبل الذي يطلعه على عسكر بني إسرائيل - وهو جبل حسبان - فلما سار عليها غير كثير ربضت به فنزل عنها فضربها، حتى إذا أزلقها قامت فركبها، فلم تسر به كثيراً حتى ربضت به فضربها، حتى إذا أزلقها أذن لها فكلمته حجة عليه، فقالت: ويحك يا بلعم أين تذهب؟ أما ترى الملائكة أمامي تردني عن وجهي هذا؟ تذهب إلى نبي اللّه والمؤمنين لتدعو عليهم، فلم ينزع عنها، فضربها، فخلى اللّه سبيلها، حين فعل بها ذلك، فانطلقت به حتى إذا أشرفت به على رأس حسبان على عسكر موسى وبني إسرائيل جعل يدعو عليهم ولا يدعو عليهم بشر
إلا صرف اللّه لسانه إلى قومه، ولا يدعو لقومه بخير إلا صرف اللّه لسانه إلى بني إسرائيل، فقال له قومه: أتدري يا بلعم ما تصنع؟ إنما تدعو لهم وتدعو علينا، قال: فهذا ما لا أملك. هذا شيء قد غلب اللّه عليه، قال: واندلع لسانه فوقع على صدره، فقال لهم: قد ذهبت مني الآن الدنيا والآخرة، ولم يبق إلا المكر والحيلة، فسأمكر لكم وأحتال، جملوا النساء وأعطوهن السلع، ثم أرسولهن إلى العسكر يبعنها فيه، ومروهن فلا تمنع امرأة نفسها من رجل أرادها، فإنهم إن زنى رجل واحد منهم كفيتموهم، ففعلوا، فلما دخل النساء العسكر مرت امرأة من الكنعانيين برجل من عظماء بني إسرائيل وهو (زمري بن شلوم) رأس سبط شمعون بن يعقوب، فلما رآها أعجبته، فقام فأخذ بيدها، وأتى بها موسى وقال: إني سأظنك ستقول: هذا حرام عليك لا تقربها، قال: أجل هي حرام عليك، قال: فواللّه لا أطيعك في هذا، فدخل بها قبته، فوقع عليها، وأرسل اللّه عزَّ وجلَّ الطاعون في بني إسرائيل، وكان (فنحاص) صاحب أمر موسى غائباً حين صنع زمري بن شلوم ما صنع، فجاء الطاعون يجوس فيهم، فأخبر الخبر، فأخذ حربته ثم دخل القبة وهما متضاجعان فانتظمهما بحربته ثم خرج بهما رافعهما إلى
السماء وجعل يقول: اللهم هكذا نفعل بمن يعصيك، ورفع الطاعون، فحسب من هلك من بني إسرائيل في الطاعون فيما بين أصاب زمري المرأة إلى أن قتله فنحاص، فوجدوه قد هلك منهم سبعون ألفاً، والمقلل لهم يقول عشرون ألفاً في ساعة من النهار، ففي بلعام بن باعوراء أنزل اللّه: {واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها - إلى قوله - لعلهم يتفكرون}. (رواه محمد بن إسحاق عن سالم أبي النضر وأخرجه ابن جرير بمثله وفيه أن الزنى وقع من عدد من الجند الذين كانوا مع موسى عليه السلام فسلّط اللّه عليهم الطاعون فمات منهم سبعون ألفاً}.وقوله تعالى: {فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث} اختلف المفسرون في معناه، فعلى سياق ابن إسحاق عن سالم أبي النضر أن بلعاماً اندلع لسانه على صدره فتشبيهه بالكلب في لهثه في كلتا حالتيه إن زجر وإن ترك ظاهر، وقيل: معناه فصار مثله في ضلاله واستمراره فيه وعدم انتفاعه بالدعاء إلى الإيمان وعدم الدعاء،
كالكلب في لهيثه في حالتيه إن حملت عليه، وإن تركته هو يلهث في الحالين، فكذلك هذا لا ينتفع بالموعظة والدعوة إلى الإيمان ولا عدمه، كما قال تعالى: {سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون}، {استغفر لهم أو لا تستغفر لهم}. وقيل: معناه أن قلب الكافر والمنافق والضال ضعيف فارغ من الهدى فهو كثير الوجيب فعبر عن هذا بهذا (نقل نحو هذا عن الحسن البصري وغيره)، وقوله تعالى: {فاقصص القصص لعلهم يتفكرون}، يقول تعالى لنبيه محمد صلى اللّه عليه وسلم: {فاقصص القصص لعلهم} أي لعل بني إسرائيل العالمين بحال بلعام، وما جرى له في إضلال اللّه إياه وإبعاده من رحمته، بسبب أنه استعمل نعمة اللّه عليه في تعليمه الاسم الأعظم الذي إذا سئل به أعطى، وإذا دعي به أجاب، في غير طاعة ربه، بل دعا به على حزب الرحمن، وشعب الإيمان، أتباع عبده ورسوله في ذلك الزمان، كليم اللّه موسى بن عمران عليه السلام، ولهذا قال: {لعلهم يتفكرون} أي فيحذروا أن يكونوا مثله، فإن اللّه قد أعطاهم علماً وميزهم على من عداهم من الأعراب، وجعل بأيديهم صفة محمد صلى اللّه عليه وسلم يعرفونها كما يعرفون أبناءهم، فهم أحق الناس وأولاهم باتباعه ومناصرته
والآية تنطبق على كل من آتاه الله علما وفقها ثم باعه بمتاع قليل من الدنيا فيضل الناس بغير علم فهؤلاء هم كلاب هذه الأمة